السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فقد كتب كثير من أهل العلم في علم التفسير وطرقه ، وكيفية التعامل مع كتب الله تعالى على الوجه الصحيح ، وقد جعل كثير من العلماء الكلام في علم التفسير مقدمات للتفسير ، فمن من مختصر ، ومن موجز ، ومن سلك منهم مسلك التفصيل . ولقد رأيت رسالة صغيرة الحجم أعجبتني ، وهي كبيرة النفع ، عظيمة المكانة . وقد قمت بترتيبها وتخريج آياتها حتى يسهل حفظها وتتبع مواضيعها فأسأل الله تعالى التوفيق والسداد
والرسالة بعنوان :
(مقدمة في التفسير)
للشيخ عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي النجدي رحمه الله
أسأل الله تعالى أن ينفع بها .
فمن حفظها كانت له مصباحا في هذا المجال العظيم . ومفتاحا لتفسير القرآن وحفظ معانيه وتدبره على وجهه الصحيح
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
[ مقدمة ]
الحمدُ للهِ الذي أنزَلَ الكتابَ : تِبياناً لِكُلِّ شَيءٍ وهُدى .
وأَشهدُ أن لا إِلهَ إلاَّ الله الحَقّ الْمُبين .
وأَشهدُ أنَّ محمداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، الصَّادقُ الأَمينُ ؛ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وأَصحابِهِ والتَّابعينَ ، وسَلَّمَ تَسليماً كَثيراً .
أَمَّا بَعدُ : فَهذهِ مُقدِّمَةٌ في التَّفسيرِ : تُعينُ على فَهمِ القُرآنِ العَظيمِ الجديرِ بأنْ تُصرَفَ لَهُ الهِمَمَ ، ففيهِ الهُدى والنُّورُ ، ومَن أَخَذَ بِهِ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ .
البابُ الأَوَّلُ : تَنزيلُ القُرآنِ
[ الفَصلُ الأَوَّلُ : مَذهَبُ السَّلَفِ ]
أَجمَعوا على أنَّ القُرآنَ :
1ـ كلامُ اللهِ حَقيقَةً .
2ـ مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخلوقٍ .
3ـ سَمِعَهُ جِبريلٌ مِن اللهِ ، وَسَمِعَهُ مُحمَّدٌ مِن جِبريلَ ، وسَمِعَهُ الصَّحابَةُ مِن مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم .
4ـ وَهُوَ الذي نَتلُوهُ بِأَلسِنَتِنا ، وفِيما بَينَ الدَّفتَينِ ، وما في الصَّدورِ ؛ مَسموعاً ومَكتوباً ومَحفوظاً .
5ـ وكُلُّ حَرفٍ مِنهُ - كالباءِ والتَّاءِ - : كلامُ اللهِ غيرُ مَخلوقٍ ؛ مِنهُ بَدَأَ وإليهِ يَعودُ .
6ـ وهُو كلامُ اللهِ : حُروفُهُ ومَعانيهِ ؛ ليسَ الحروفُ دونَ الْمَعاني ، وَلا الْمَعانِي دُونَ الحروفِ .
[ الفَصلُ الثَّانِي : مَذهَبُ الخَلَفِ ]
• وبَدَّعوا مَن قالَ :
1ـ إنَّ القُرآنَ فاضَ على نَفسِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم مِنَ العَقلِ الفَعَّالِ أو غَيرِهِ ؛ كالفَلاسِفَةِ والصَّابِئِيَّةِ .
2ـ أَوْ : أنَّهُ مَخلوقٌ في جِسمٍ مِنَ الأَجسامِ ؛ كالْمُعتَزِلَةِ والجَهمِيَّةِ .
3ـ [ أَوْ : أنَّهُ مَخلوقٌ ] في جِبريلَ أو مُحمّدٍ أو جِسمٍ آخرَ غيرِهِما ؛ كالكُلاَّبِيَّةِ والأَشعَرِيَّةِ .
4ـ أَو : أنَّهُ حُروفٌ وأَصواتٌ قَديمةٌ أَزَلِيَّةٌ ؛ كَالكَلاميَّةِ .
5ـ أَو : أنَّهُ : حادِثٌ قائِمٌ بِذاتِ اللهِ مُمتَنِعٌ في الأَزَلِ ؛ كالهاشِميَّةِ والكَرَّامِيَّةِ .
• ومَن قالَ :
1ـ ( لَفظِي بِالقُرآنِ مَخلوقٌ ) فَجَهمِيٌّ .
2ـ أَو : ( غَيرُ مَخلوقٍ ) فَمُبتَدِعٌ .
البابُ الثَّانِي : مَواضِعُ نُزولِ القُرآنِ
1ـ أَجمَعوا على أنَّ القُرآنَ : مِئَةٌ وأربَعَ عَشَرَةَ سُورَةً .
2ـ والْمَشهورُ : سَبعٌ وعُشرونَ مَدَنِيٌّ ، وباقيهِ مَكِّيٌّ ؛ واُستُثنِيَ آياتٌ .
3ـ ومِنهُ : النَّهارِيُّ والليلِيُّ ، والصَّيفِيُّ والشِّتائِيُّ .
4ـ وأَوَّل ما أُنزِلَ : ( اقْرَأ ) ، ثُمَّ : (الْمُدَّثِّرْ) .
وآخِرُهُ : الْمائِدَةُ ، وَبَراءَةٌ ، والفَتحُ ، وآَيَةُ : الكَلالَةِ ، والرِّبا ، والدَّينِ .
البابُ الثَّالِث : إِنْزَالُ القُرآنِ
1ـ [ وَقتُ نُزولِهِ ] :
أُنزِلَ القُرآن : جُملةً في لَيلَةِ القَدرِ ؛ إلى : بيتِ العِزَّةِ في السَّماءِ الدّنيا .
وأُنزِلَ مُنَجَّماً ؛ بِحَسَبِ الوقائِعِ .
2ـ [ طُرُقُ تَلَقِّيه ] :
يُلقيهِ جِبريلُ إلى النَّبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم فِي مِثلِ :
( أ ) صَلصَلَةِ الجَرَسِ : وهُو أَشدُّ عليهِ .
( ب ) ويأتيهِ في مِثلِ صُورَةِ الرَّجُلِ يُكَلِّمُهُ .
3ـ [ الحُروفُ السَّبعَةُ ] :
وثَبَتَ أنَّهُ أُنزِلَ على سَبعَة أَحرفٍ .
قيلَ : الْمَعانِي الْمُتَّفِقَة بِأَلفاظٍ مُختَلِفَةٍ ؛ كـ(هَلُمَّ) و(أَقْبِلْ) .
4ـ [ كِتابَتُهُ وَجمعُهُ ] :
وكُتِبَ فِي الرِّقاعِ والِّلخافِ والعُسُب والأَضلاعِ ؛ في عَهدِ النّبوَّةِ .
ثُمَّ : في الصُّحُفِ ؛ في عَهدِ أَبي بَكرٍ .
ثُمَّ : جُمَعَ عُثمانَ النَّاسَ على مُصحَفٍ واحِدٍ . والجُمهورُ : أَنَّهُ مُشتَمِلٌ على ما يَحتَمِلُهُ رَسْمُها ، ومُتَضَمِّنَتُها العَرضَةُ الآخيرَةُ .
5ـ [ تَرتيبهُ ] :
وتَرتيبُ :
1 : الآياتِ بالنَّصِّ .
2 : والسُّوَرِ بالاجتِهادِ .
البابُ الرَّابِعُ : أَسبابُ نُزولِ القُرآنِ
مَعرِفَةُ سَبَبِ نُزولِ القُرآنِ يُعينُ على : فَهمِ الآيةِ ؛ فَقَد يَكونُ اللَّفظُ عامّاً والسَّبَبُ خاصّاً .
ومِنهُ :
قَولُهُ تَعَاْلَى ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) [ الطَّلاقُ : 4 ] .
وَقَولُهُ تَعَاْلَى : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهُ )[البَقَرة : 115 ]
البابُ الخامِسُ : عامُّ القُرآنِ وخاصُّهُ
1ـ العامُّ أَقْسامٌ :
( أ ) مِنهُ : الباقِي على عُمُومِهِ ؛ كَقولِهِ تَعَاْلَى : ( حُرِّمَت عليكُم أُمَّهاتُكُم ) .[النساء : 23]
( ب ) والعامُّ المُرادُ بهِ الخُصوصُ ؛ كَقولِهِ تَعَاْلَى : ( الذينَ قَالَ لَهُم النَّاسُ ) [آل عمران : 173].
( ج ) العامُّ الْمَخصوصُ - وهُو كَثيرٌ ؛ إِذْ ما مِن عامٍّ إِلاَّ وَقَدْ خُصَّ - .
2ـ الْمُخَصِّصُ :
( أ ) إِمَّا مُتَّصلٌ : وهُو خَمسَهٌ ؛ الاسْتِثناءُ ، والوَصفُ ، والشَّرطُ ، والغايَةُ ، وَبدَلُ البَعضِ مِنَ الكُلِّ .
( ب ) وإمَّا ْمُنفَصِلٌ : كَآيَةٍ أُخرى ، أَو : حديثٍ ، أَو : إجماعٍ .
3ـ وَمِن خاصِّ القُرآنِ :
ما كانَ مُخَصِّصاً لِعُمومِ السُّنَّةِ ؛ كَقولِه : ( حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُم صاغِرونَ ) [التوبة : 29] ؛ خُصَّ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم : « أُمِرتُ أَن أُقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا : ( لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) » .
البابُ السَّادِسُ : ناسِخُ القُرآنِ وَمَنسُوخُهُ
1ـ [ تَعريفُهُ ] :
يَرِدُ النَّسخُ :
بِمَعنَى (الإِزالةِ) : ومِنهُ
( فَيَنسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيطانُ )[الحج : 52].
وبِمَعنَى (التَّبديلِ) : ومِنهُ :
( وإذا بَدَّلنا آيةً مكانَ آيَةٍ ) [النحل : 101].
2ـ [ أَنواعُهُ ] :
وهُو ثَلاثَةٌ :
(1) ما نُسِخَ تِلاوَتُهُ وحُكمُهُ ؛ كََعَشرِ رَضَعاتٍ .
(2) ما نُسِخَ تِلاوَتُهُ دُون حُكمُهُ ؛ كَآيَةِ الرَّجمِ .
(3) ما نُسِخَ حُكمُهُ دُون تِلاوَتُهُ ؛ وقَد صُنِّفَت فيه الكُتُب - وهُوَ قليلٌ - .
[ وقَد سَمَّى بَعضُ السَّلَفِ كُلَّ رَفعٍ نَسخاً ؛ سَواءً كان رَفعَ حُكمٍ أو رَفعَ دِلالة ظاهرة ؛ ولِذلك أكثَر بَعضهم من تَعديدِ الآياتِ الْمَنسوخَةِ ] .
3ـ [ ما يَقَعُ فيه النَّسخُ ] :
وَلا يَقَعُ إِلاَّ في : الأَمرِ والنَّهيِ ؛ ولَو بِلَفظِ الخَبَرِ .
البابُ السَّابِعُ : مُحْكَمُ القُرآنِ وَمُتَشابِهُهُ
1ـ [ تَعريفهُ ] :
• الْمُحْكَمُ : ما يُمَيِّزُ الحَقيقَةَ الْمَقصُودَةَ عَن غَيرِها .
• والْمُتشَابِهُ : [ ما احتَمَل مَعنَيَيْنِ ] فَيُشبِهُ هذا ويُشبِهُ هذا .
2ـ [ حُكمُهُ ] :
قال تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) [آل عمران : 7]
( أ ) ( ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ) لِيَفتِنُوا النَّاسَ ؛ إِذْ وَضَعُوهُ عَلَى غيرِ مَواضِعِهِ .
( ب ) ( وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ) وهُو الحَقيقَةُ التي أَخبَرَ عَنْها ؛ كالقِيامَةِ وَأَشرَاطِها .
( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ) أي تأويلَ تِلك الحقائِقِ مِن وَقتٍ وصِفَةٍ ( إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) وَلَم يَنفِ عَنهُم عِلمَ مَعناهُ ، بل قال :
( لِيَدَّبَّروا آياتِهِ ) [ص :29] .
3ـ [ الصِّفاتُ لَيسَت مِنَ الْمُتشابِه ] :
قال شَيخُ الإِسلامِ : ( وثَبَتَ أَنَّ اتِّباعَ الْمُتشابِهِ ليسَ في خُصوصِ الصِّفاتِ ، ولا أَعلَمُ أنَّ أحداً مِنَ السَّلفِ جَعَلَها مِنَ الْمُتَشابِهِ الدَّاخِلِ في هِذهِ الآيَةِ ) اهـ .
• [ مَذهَبُ السَّلَفِ في الصِّفاتِ ] : وعِندَهُم : قِراءَتُها تَفسيرُها ، وتُمَرُّ كَما جاءَت ؛ دَالَّةٌ على ما فِيها مِنْ الْمَعانِي ؛ لا تُحَرَّف وَلا يُلْحَدُ فِيها .
4ـ [ الظَّاهِرُ والْمُجمَلُ ] :
وَكُلُّ ظاهِرٍ : تُرِكَ لِمُعارِضٍ رَاجِحٍ ؛ كَتَخصيصِ العامِّ ، وتَقييدِ الْمُطلَقِ ؛ فَإنَّهُ مُتشابِهٌ لاحتِمالِهِ مَعنَيَينِ .
وكذا الْمُجمَلُ ؛ وإحكامُهُ : رَفعُ ما يُتَوَهَّمُ فيهِ مِن المَعنَى الذي ليسَ بِمرادٍ .
البابُ الثَّامِنُ : التَّأْويلُ
1ـ [ مَذهَبُ السَّلَفِ ] :
• التَّأويلُ فِي القُرآنِ : نَفسُ وُقوعِ الْمُخبَرِ بِهِ .
• وَعِندَ السَّلَفِ : تَفسيرُ الكلامِ وَبيانُ مَعناهُ .
2ـ [ مَذهَبُ الخَلَفِ ] :
• وَعِندَ الْمُتَأَخِّرينَ - مِن الْمُتَكَلِّمَةِ والْمُتَفَقِّهَةِ ونَحوِهِم - : هُوَ صَرفُ اللفظِ عَنِ الْمَعنَى الرَّاجِحِ إِلَى الْمَعنَى الْمَرْجوحِ ؛ لِدليلٍ يَقتَرِنُ بِهِ .
أَوْ : حَمْلُ ظاهِرٍ عَلى مُحتَمَلٍ مَرجوحٍ .
• وما تَأَوَّلَهُ :
القَرامِطَةُ والباطِنِيَّةُ : لِلأَخبارِ والأَوامِرِ …
والفَلاسِفَةُ : للأَخبارِ عَنِ اللهِ واليومِ الآخرِ …
والجَهمِيَّةُ والْمُعتَزِلَةُ وغَيرُهُم : في بَعضِ ما جاء في اليوم الآخِرِ ، وَفي آياتِ القَدَرِ ، وآياتِ الصِّفاتِ …
هُوَ مِن تَحريفِ الكَلِمِ عَن مَواضِعِهِ .
3ـ [ غَلَطُ البَعضِ في مَعنَى (التَّأويلِ) ] :
• قَالَ الشَّيخُ : « وَطَوائِفُ مِن السَّلَفِ أَخطَؤا في مَعنَى (التَّأويلِ) الْمَنفِيِّ ؛ وَفي مَعنَى (التَّأويلِ) الذي أَثْبَتُوهُ .
والتَّأويلُ الْمَردودُ : هُوَ صَرفُ الكَلِمِ عَن ظاهِرِهِ إِلَى ما يُخالِفُ ظاهِرَهُ .
وَلَم يَقُل أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ : ( ظاهِرُ هذا غَيرُ مُرادٍ ) . وَلا قالَ : ( هَذهِ الآيَةُ أَو هَذا الحديثُ مَصروفٌ عَن ظاهِرِهِ ) . مَعَ أنَّهُم قَد قَالُوا مِثلَ ذلكَ في آياتِ الأَحكامِ الْمَصروفَةِ عَن عُمُومِها وظَواهِرِها ، وتَكَلَّمُوا فِيما يُسْتَشْكَلُ مِمَّا قَد يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُتَناقِضٌ » اهـ .
البابُ التَّاسِعُ : نَفْيُ الْمَجازِ
1ـ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ الْمُحَقِّقونَ ؛ ولَم يُحفَظُ عَن أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ القَولُ بِهِ .
وإِنَّما حَدَثَ تَقسِيمُ الكَلامِ إِلى حَقيقَةٍ ومَجازٍ بَعدَ القُرونِ الْمُفَضَّلَةِ .
فَتَذَرَّعَ بِهِ الْمُعتَزِلَةُ والجَهْمِيَّةُ إِلَى : الإِلحادِ في الصِّفاتِ .
2ـ قالَ الشَّيخُ : « وَلَم يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِهِ ، ولا رَسُولُهُ ، ولا أَصحابُهُ ، ولا التَّابِعون لَهُم بِإحسانٍ .
ومَن تَكَلَّمَ بهِ مِن أَهلِ اللغَةِ يَقُولُ في بَعضِ الآياتِ : ( هذا مِنْ مَجازِ اللغَةِ ) ومُرادُهُ : أَنَّ هذا مِمَّا يَجوزُ في اللغَةِ ، ولم يُرِدْ هذا التَّقسيمُ الحادثِ ؛ لا سِيَّما وقد قالُوا : ( إنَّ الْمَجازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ ) ! فَكَيفَ يَصِحُّ حَملُ الآياتِ القُرآنِيَّةِ على مِثلِ ذلك .
وَلا يَهُولَنَّكَ إِطباقُ الْمُتَأخّرينَ عَليهِ ، فَإنَّهُم أَطبَقُوا على ما هُوَ شَرٌّ مِنهُ » اهـ .
3ـ وَذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ خَمسِينَ وَجهاً في بُطلانِ القَولِ بالْمَجازِ .
وكَلامُ اللهِ وكلامُ رَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذلكَ .
البابُ العاشِرُ : إعْجازُ القُرآنِ
1ـ تَعريفُهُ :
الْمُعجِزَةُ : أَمرٌ خارِقٌ للعادَةِ ، مَقرونٌ بالتَّحَدِّي ، سَالِمٌ عَنِ الْمُعارَضَةِ .
2ـ والقُرآن مُعجِزٌ أَبداً :
أَعجَزَ الفُصحاءَ مَعَ حِرصِهِم على مُعارَضَتِهِ .
وقَد تَحَدَّهُم تَعالَى على أن يَأتُوا بِحديثٍ مِثلِهِ ، أو عَشرِ سُوَرٍ ، أو سُورَةٌ .
3ـ وُجُوهُ إعجازِهِ :
وَذَكَرَ العُلَماءُ وُجوهاً مِن إعجازِهِ :
مِنها : أُسلُوبُهُ ، وبَلاغَتُهُ ، وبَيانُهُ ، وفَصاحَتُهُ ، وحُسنُ تألِيفِهِ ، وإِخبارُهُ عَنِ الْمُغَيَّباتِ ، والرَّوعَةُ في قُلوبِ سامِعيهِ … وغَيرُ ذلكَ .
حتَّى قالَ الوَليدُ : ( إِنَّ لَهُ لَحَلاوَةٌ ، وإنَّ عَلَيهِ لَطَلاوَةٌ … ) .
ومَن تَأَمَّلَ حُسنَهُ وَبَديعَهُ وبَيانُهُ وَوُجوهَ مُخاطَباتِهِ : عَلِمَ أَنَّهُ مُعْجِزٌ مِن وُجوهٍ كَثيرَةٍ .
البابُ الحادي عَشَر : أَمثالُ القُرآنِ
1ـ أَهِمّيّتهُ :
أَمثالُ القُرآنِ : مِنْ أَعظَمِ عِلمِهِ . عَدَّهُ الشَّافعِيُّ مما يَجِبُ على الْمُجتَهِدِ مَعرِفَتِهِ .
2ـ الحِكمةُ منه :
ضَرَبَها اللهُ : تَذكيراً وَوَعظاً .
3ـ فائِدَتُهُ :
وهِيَ : تُصَوُّرُ الْمَعانِي بِصُورَةِ الأَشخاصِ .
البابُ الثَّانِي عَشَر : إِقْسامُ القُرآنِ
1ـ تَعريفُهُ :
[ القَسَمُ : هُو اليَمينُ ، أَقسَمَ بِهِ ؛ أَي : حَلَفَ بِهِ ] .
2ـ الحِكمةُ منه وبِم يكون :
والقَسَمُ تَحقيقٌ للخَبَرِ وتَوكيدٌ لهُ ، ولا يَكونُ إلاَّ بِمُعَظَّمٍ ؛ وهُوَ : اللهُ تَعَالَى .
3ـ ما يُقسِمُ بِهِ اللهُ : يُقسِمُ :
1 : بِنَفسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوصُوفَةِ بِصِفاتِهِ .
2 : وبِآياتِهِ الْمُستَلزِمةِ لِذاتِهِ .
3 : وَصِفاتِهِ .
4ـ ما يُقسِمُ عليه :
يُقسِمُ تارَةً على : التَّوحيدِ .
وَتارَةً على : أنَّ القُرآنَ حَقٌّ .
وَتارَةً على : أنَّ الرَّسولَ حَقٌّ .
وَتارَةً على : الجَزاءِ وَالوَعدِ والوَعيدِ .
وَتارَةً على : حالِ الإنسانِ .
4ـ أنواعُهُ : والقَسَمُ :
( أ ) إِمَّا ظاهِرٌ .
( ب ) وَإِمَّا مُضمَرٌ ؛ وَهُوَ قِسمان :
1 : قِسمٌ دَلَّت عَلَيهِ اللاَّم ؛ نَحوُ : ( لَتَبْلُوُنَّ ) [آل عمران : 186].
2 : وَقِسمٌ دَلَّ عليهِ الْمَعنَى ؛ نَحوُ : ( وَإِنْ مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُها ) [مريم : 71].
البابُ الثَّالِثُ عَشَر : الْخَبَرُ وَالإِنْشاءُ
• الكَلامُ نَوعانِ : خَبَرٌ ، وَإِنْشاءٌ .
1- الفَرُوقُ بَينَهُما :
• الخَبَرُ : دائِرٌ بَينَ النَّفيِ والإِثباتِ .
وَالإِنشاءُ : أَمرٌ أَو نَهيٌ أَو إِباحَةٌ .
• الخَبَرُ : يَدخُلُهُ التَّصديقُ وَالتَّكذيبُ .
وَالإِنشاءُ : لا .
2- والإخبارُ : إِمَّا إِخبارٌ عَن الخالِقِ ، وإِمّا إخبارٌ عَن الْمَخلوقِ
1 : فالإخبار عَنِ الخالِقِ : هُوَ التَّوحيدُ ؛ وما يَتَضَمَّنُهُ مِن : أسماءِ اللهِ وَصِفاتِهِ .
2 : وَالإخبارُ عَنْ الْمَخلوقِ : هُوَ القَصَصُ ؛ وهُوَ : الخَبَرُ عَمَّا كانَ وما يَكونُ . ويَدخُلُ فيهِ :
( أ ) الخَبَرُ عَن الْرُّسُلِ وَأُمَمِهِم وَمَن كَذَّبَهُم .
( ب ) والإِخبارُ عَن الجَنَّةِ والنَّارِ والثّواب والعِقابِ .